أيرلندا- صوت جريء في نصرة فلسطين والقضايا العربية العادلة

المؤلف: صدقة يحيى فاضل10.17.2025
أيرلندا- صوت جريء في نصرة فلسطين والقضايا العربية العادلة

يشهد العالم المعاصر وجود ما يقارب 199 دولة ذات سيادة. بعض هذه الدول يُظهر، قولاً وفعلاً، معارضته للعُروبة والإسلام (كالولايات المتحدة الأمريكية، وإسرائيل، وبريطانيا)، وإن تظاهرت بغير ذلك في العلن. بينما تُكن دول أخرى العداء للعُروبة والإسلام في الخفاء (كألمانيا، على سبيل المثال). وتشكل الدول العربية والإسلامية ما يقارب ربع دول العالم. بيد أن هناك دولاً ليست عربية ولا إسلامية، إلا أنها تنحاز إلى الحق والعدل، سواء كان المظلوم عربياً، أو مسلماً، أو من أتباع ديانة أخرى (تأتي أيرلندا وجنوب أفريقيا في طليعة هذه الدول). هذا الواقع يلقي بمسؤولية جسيمة على عاتق الدبلوماسية العربية، ألا وهي التمييز الدقيق، والتعامل مع الدول وفقاً لمواقفها من الشعوب العربية وقضاياها العادلة. ففي العلاقات الدولية، لا مكان للعواطف الجياشة من حب وكراهية، بل الأهم هو صون حقوق الإنسان في كل مكان وزمان.

ومما لا شك فيه، أن القضية الفلسطينية، تظل القضية العربية والإسلامية الأهم والأكثر خطورة، لأنها تمثل قضية أمة بأسرها. وموقف أي دولة أجنبية من هذه القضية يُعد مؤشراً دقيقاً على موقفها من العرب عموماً. وعلى الرغم من ذلك، فإن للعرب والمسلمين قضايا وجوانب أخرى جديرة بالاهتمام. وفي هذا المقال، سنسلط الضوء على موقف جمهورية أيرلندا المتميز، وجهودها الاستثنائية في دعم الحق العربي الفلسطيني.



أيرلندا هي جزيرة شامخة تقع غرب بريطانيا، وتنقسم إلى قسمين رئيسيين: جمهورية أيرلندا (وعاصمتها دبلن)، وأيرلندا الشمالية (وعاصمتها بالفاست)، التي تُعد جزءاً من المملكة المتحدة. نالت جمهورية أيرلندا استقلالها عن بريطانيا عام 1921م. تمتد على مساحة جغرافية تبلغ حوالي 70,273 كيلومتر مربع، ويقطنها ما يقارب 5,262 مليون نسمة. وهي عضو فاعل في الاتحاد الأوروبي، وفي حلف شمال الأطلسي (الناتو). ووفقاً لتعداد عام 2016م، يشكل الروم الكاثوليك نسبة كبيرة من سكان أيرلندا، حيث تبلغ حوالي 78,3%.

لطالما اشتهرت أيرلندا، منذ القدم، بطبيعتها الساحرة الخلابة، وأريافها الفاتنة، وتاريخها العريق الغني بالأحداث. وتزخر بالكثير من المواقع الأثرية التي تعكس حضارات متعاقبة. وقد هاجر عدد كبير من سكانها إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وشكلوا هناك أقلية ذات تأثير ونفوذ مسموع.



ترتبط أيرلندا بالمملكة العربية السعودية بعلاقات ثقافية واقتصادية وثيقة نسبياً؛ إذ بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين الصديقين، خلال عام 2016م، ما يقارب 464 مليون يورو. ولا يشمل هذا الرقم ما تستورده أيرلندا من المملكة من مشتقات نفطية حيوية. وتتمثل أغلب واردات المملكة من أيرلندا في المنتجات الغذائية الطازجة، والزراعية المتميزة، والأدوية الفعالة والعطور الفاخرة. بينما تستورد المملكة من أيرلندا المنتجات النفطية الهامة.

تضم أيرلندا نخبة من الجامعات المرموقة، التي تُعد من بين الأفضل والأعرق في العالم. وتعزيزاً لأواصر التعاون بين البلدين في مجال التعليم والثقافة، تم افتتاح الملحقية الثقافية السعودية في أيرلندا، عام 2012م. يدرس في أيرلندا حالياً المئات من المبتعثين السعوديين المتفوقين، الذين يلقون ترحيباً شعبياً صادقاً وملموساً.



تتبنى أيرلندا نظام حكم تمثيلياً برلمانياً. ويتألف برلمانها من مجلسين تشريعيين، ويتم انتخاب رئيس الجمهورية عن طريق الاقتراع الشعبي المباشر، لمدة سبع سنوات. ويمكن إعادة انتخاب رئيس الدولة (الذي يتمتع بكامل صلاحيات التنفيذ) لولاية واحدة فقط. وتُعد أيرلندا عضواً فاعلاً في الاتحاد الأوروبي، وفي حلف الناتو، إلا أنها تتبنى سياسات مستقلة أو شبه مستقلة، تتسم بالحيادية، واحترام حقوق الإنسان الأساسية، وحق الشعوب في تقرير مصيرها بنفسها. ويتم ذلك كله وفقاً للدستور الأيرلندي الراسخ، الذي دخل حيز التنفيذ في 29 ديسمبر سنة 1937م، والذي لا يزال سارياً حتى الآن.



إن أيرلندا دولة تُعلي من شأن القيم الإنسانية النبيلة، وفي مقدمتها مبدأ الحرية والعدالة. وتأتي مساندتها لحقوق الفلسطينيين، ولقضيتهم العادلة، وبقية القضايا العربية المحقة، من منطلق تأييد صادق، وحميمي، كما يتضح جلياً من المواقف الرسمية التي تتخذها. ويمكننا هنا إيجاز أهم مواقف أيرلندا المشرفة في هذا الصدد، فيما يلي بإيجاز:

- رفع الأعلام الفلسطينية خفاقة في الشوارع والميادين والأماكن العامة. ونشر لافتات كُتبت عليها عبارات الدعم والتأييد للفلسطينيين، مثل عبارة (Free Palestine) وغيرها من العبارات الداعمة.

- تنظيم مظاهرات شعبية عفوية، من حين لآخر، للتنديد بالعدوان الصهيوني الغاشم، وللتعبير عن الاستنكار الشديد لما ترتكبه إسرائيل من مجازر وحروب إبادة جماعية، ضد المدنيين الفلسطينيين العزل.

- اتخاذ قرار جريء بطرد السفير الإسرائيلي من دبلن. وبعد ذلك، ادعت إسرائيل زوراً وبهتاناً بأنها هي التي بادرت بإغلاق سفارتها في دبلن، في محاولة للتغطية على الأمر.

- تأييد الدعوى التي رفعتها جمهورية جنوب أفريقيا الشقيقة، أمام محكمة العدل الدولية، ضد ما ترتكبه إسرائيل من جرائم حرب وحروب إبادة جماعية، في قطاع غزة المحاصر. وقد أكد وزير خارجية أيرلندا «مايكل مارين» بأن حكومته اتخذت قراراً حاسماً بالانضمام إلى جنوب أفريقيا في هذه الدعوى الهامة.

- التصريح السياسي القوي والمؤثر الذي أدلى به رئيس وزراء أيرلندا «سيمون هاريس» مؤخراً، في أعقاب قرار إسرائيل الأحادي بإغلاق سفارتها في دبلن. حيث صرح قائلاً: «إسرائيل لن تستطيع إسكاتنا عن انتقاد الهجمات الشرسة التي تشنها على الشعب الفلسطيني الصامد في قطاع غزة، وقرار نتنياهو بإغلاق السفارة الصهيونية، ما هو إلا «دبلوماسية تهدف إلى تشتيت الانتباه». وأضاف: «هل تعرفون ما الذي يجب إدانته بشدة في رأيي؟ قتل الأطفال الأبرياء، والمعاناة المروعة، وحجم الوفيات الكبير، بين المدنيين العزل في غزة. وترك الناس يموتون جوعاً، ومنع تدفق المساعدات الإنسانية الضرورية إليهم».



يا لها من مواقف نبيلة وشجاعة، ومشرفة، تستحق منا جميعاً كل التقدير والإشادة. وليت بعض الأطراف «العربية» تحذو حذو أيرلندا المشرف.. أو تقف، على الأقل، موقفاً محايداً، حفاظاً على مصالحها، قبل حماية أشقائها الفلسطينيين.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة